لـــ إيليا أبو ماضي ..
من أجمل القصائد الشعرية التي قرأتها مؤخراً ..
أقدمها لكم .. ومن ثم شرح القصيدة ..
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها
لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما ..
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا
أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً ؟
أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدّ الكرامَ المحسنين وقِسْهُمُ
بهما تجدْ هذينِ منهم أكرما
ياصاحِ خُذ علم المحبة عنهما
إني وجدتُ الحبَّ علما قيما
لو لم تَفُحْ هذي ، وهذا ما شدا ،
عاشتْ مذممةً وعاش مذمما
فاعمل لإسعاد السّوى وهنائهم
إن شئت تسعد في الحياة وتنعما
***
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا
لولا الشعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا
وابغض فيمسي الكون سجنا مظلما
ما الكأس لولا الخمر غير زجاجةٍ
والمرءُ لولا الحب إلا أعظُما
كرهَ الدجى فاسودّ إلا شهبُهُ
بقيتْ لتضحك منه كيف تجهّما
لو تعشق البيداءُ أصبحَ رملُها
زهراً، وصارَ سرابُها الخدّاع ما
لو لم يكن في الأرض إلا مبغضٌ
لتبرمتْ بوجودِهِ وتبرّما
لاح الجمالُ لذي نُهى فأحبه
ورآه ذو جهلٍ فظنّ ورجما
لا تطلبنّ محبةً من جاهلٍ
المرءُ ليس يُحَبُّ حتى يُفهما
وارفقْ بأبناء الغباء كأنهم
مرضى، فإنّ الجهل شيءٌ كالعمى
والهُ بوردِ الروضِ عن أشواكه
وانسَ العقاربَ إن رأيت الأنجما
***
يا من أتانا بالسلام مبشراً
هشّ الحمى لما دخلتَ إلى الحمى
وصفوكَ بالتقوى وقالوا جهبذُ
علامةُ، ولقد وجدتك مثلما
لفظٌ أرقّ من النسيم إذا سرى
سَحَراً، وحلوُ كالكرى إن هوّما
وإذا نطقتَ ففي الجوارحِ نشوةٌ
هي نشوةُ الروحِ ارتوتْ بعدَ الظما
وإذا كتبتَ ففي الطروسِ حدائقٌ
وشّى حواشيها اليراعُ ونمنما
وإذا وقفتَ على المنابر أوشكتْ
أخشابها للزهوِ أن تتكلما
إن كنت قد أخطاكَ سربال الغِنَى
عاش ابنْ مريم ليس يملك درهما
وأحبّ حتى من أحب هلاكه
وأعان حتى من أساء وأجرما
نام الرعاة عن الخراف ولم تنمْ
فإليك نشكو الهاجعين النوّما
عبدوا الإله لمغنمٍ يرجونه
وعبدتَ ربّك لست تطلبُ مغنما
كم رَوّعوا بجهنّم أرواحنا
فتألمت من قبلُ أن تتألما!
زعموا الإله أعدّها لعذابنا
حاشا، وربُّك رحمةٌ، أن يظلما
ما كان من أمر الورى أن يرحموا
أعداءهم إلا أرقّ وأرحما
ليست جهنم غير فكرةِ تاجرٍ
ألله لم يخلق لنا إلا السما
*******************************************
الشرح :::::::::::كن بلسماً إن صار دهرك ارقماً وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كل كنوزها لا تبخلن على الحياة ببعض ما
أحسن، وإن لم تجز ، حتى بالثنا أي الجزاء الغيث يبغي إن همى؟
الشرح
يطلب الشاعر منا أن نكون كالبلسم الشافي مع الناس حين تعتصرنا الحياة بمصائبها كما تعتصر الأفعى الفريسة ، وأن نكون حلوين اللسان عندما يكون الناس مثل النبات المر؛ فالحياة وهبتنا من نعمها الجميلة مما يجعلنا نتعامل مع الآخرين بالخير والمحبة والكلمة الطيبة و البسمة الصادقة .
وعلى الإنسان أن يحسن دائماً للآخرين دون انتظار الشكر والعرفان ، ونكون مثل المطر عنما ينزل علينا بالخير والبركة ، دون أن ينتظر منا ثناء على خيره وبركته .
الفكرة الرئيسية للأبيات (1-3): الدعوة للبذل والعطاء دون أنتظار مقابل
(الأبيات(4-6
من ذا يكافىء زهرة فواحة أو من يثيب البلبل الترنما ؟
يا صاح خذعلم المحبة عنهما إني وجدت الحب علماً قيما
لولم تفح هذي وهذا ما شدا عاشت مذممة وعاش مذمما
الشرح:- يتساءل الشاعر عمن يقدم المكافأة للزهرة العطرة والبلبل المنشد ، فهما لا ينتظران من أحد جزاء ولا شكر ، فعلينا أن نتعلم ونأخذ قوانين الحب من تلك الزهرة وذاك البلبل ؛ فالحب علم نافع للإنسان ، والبلبل والزهرة لو لم يقدما الخير والحب للآخرين ما شعر بهما أحد وعاشا مذمومين مكروهين ، كذلك أنت لتكون محبوبا أحب الناس وقدم لهم الخير مثلهما.
الفكرة الرئيسية للأبيات : الإفادة من مظاهر الطبيعة في الإقبال على الخير والعطاء .(الأبيات (7-11
أيقظ شعورك بالمحبة ان غفا لولا شعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ كونا نيرا وابغض فيمي الكون سجناً مظلما
كره الدجى فاسود الا شهبه بقيت لتضحك منه كيف تجهم
لو تعشق البيداء أصبح رملها زهراً، وصار سرابها الخداع ما
لولم يبقى في الأرض إلامبغض لتبرمت بوجوده وتبرما
الشرح:-
يحذرنا الشاعر من موت أو غفوة الضمير ومشاعر الخير في نفوسنا ولو للحظة واحدة ، بل علينا أن نبقي مشاعرنا متيقظة دوما بالحب ، فلولا هذه المشاعر لكنا مثل الألعاب التي لا حياة فيها .
أحبب الناس وتمنى الخير لهم ، تجد الدنيا واسعة مضيئة مليئة بالتفاؤل والخير ، وإن شئت أن ترى الدنيا سجناً ضيقاً مظلماً، فجرب البغض والحقد للآخرين .
ثم يسوق الشاعر لنا أمثلة توضح تلك الفكرة ، فذلك المتشائم التجهم والذي ينظر لليل على أنه سواد لا جمال فيه ، قد جعل الليل يبادله نفس الشعور ، فأسود في وجهه بينما الشهب تضحك من ذلك المتجهم العابس والنور يضيء كيانها المفعم بالحب والخير للآخرين ، وانظر لصحراء كيف يتحول رملها وصخورها وسرابها لجنة حقيقية إن هي أحبت الناس والحياة .
ويختم الشاعر قصيدته بخلاصة واقعية وهي الأرض لو خلت من المحبين ولم يبقى فيها الاالمتجهمين لضاقت به وضاق هو بنفسه .
الفكرة الرئيسية للأبيات : سعادة الإنسان في شعوره بالحب والخير للآخرين.
معاني المفردات
بلسم : عصارة طبية لشفاء جميع الجروح× سم قاتل
أرقم : الثعبان الأسود السا المرقط بالأسود والأبيض، ج أراقم
حبتك :وهبتك و أعطتك ، × سلبتك ومنعتك .
الثنا : المدح × الذم
الغيث :المطر الغزير الآتي بالخير ، ج غيوث و أغياث
همى :سال ونزل بغزارة × توقف .
فواحة :شديدة الرائحة .
مترنم :الصوت الجميل × الصوت القبيح .
قيم :مفيد وغالي × ضار ورخيص .
تفح :تنتشر الرائحة الطيبة × تنعدم الرائحة .
شدا :غنى .
مذممة :شديد العيب × صحيحة ومقبولة .
غفا :نام × تيقظ .
الدمى : الألعاب ، م دمية .
يغدو : يصبح × يمسي
الكوخ :منزل من خشب ، ج أكواخ .
نير : مضيء × مظلم .
أبغض : أكره × أحبب .
الدجى : الليل المظلم ، م الداجية
شهب : أجرا م سماوية مضيئة ، م شهاب
تجهم : عبس × ابتسم وضحك .
البيداء : الصحراء ، ج بيد وبيداوات
سراب : خيال الماء الخادع في الصحراء .
مبغض : كاره وحاقد × محب
تبرم : ضجر وسئم
التحليل الأدبي للقصيدة
أولاً: التشبيهات والصور الجميلة :-
1. (صار دهرك أرقما) شبه الزمن الغادر بالثعبان الأسود القاتل ، ليدلنا على قسوة الزمن .
2. (صار غيرك علقما) شبه الأنسان الحاقد بالنبات المر ، ليتبين شدة المرارة من تصرفاته.
3. ( الحياة حبتك ) صور لنا الحياة بالانسان الذي يعطي كل مالديه للإنسان .
4. ( أيقظ شعورك ) شبه الشاعر الأحاسيس بالإنسان الذي يغفو .
5. (كالدمى ) شبه الشاعر الإنسان المتلبد المشاعر كالدمية الجامدة بغير أحاسيس .
6. (شهبه بقيت لتضحك ) صور الشاعر الشهب بالانسان الذي يضحك من ذلك المتشائم .
7. ( تعشق البيداء ) أعطى الشاعر للجماد صفة من الأنسان وهي العشق والحب .
ثانياُ:الأساليب البلاغية وأغراضها :
1. أسلوب شرط : (إن صار... كن بلسماً ) (إن صار... كن حلاوة ) (لو لم تفح ...عاشت مذممة)
(إن غفا... أيقظ) (لو تعشق... أصبح رملها) (لولم يكن ... لتبرمت )
2. أسلوب إستفهام : ( أي الجزاء ... همى ) (من ذا يكافىء ... المترنما ) الغرض منه النفي .
3. اسلوب امر : (كن) (أحسن) (خذ) (أيقظ) (أحبب) (أبغض) الغرض منه النصح والإرشاد .
4. أسلوب نهي : الغرض منه النصح والإرشاد .
5. أسلوب إستثناء: (كره الدجى إلا شهبه) (لو لم يكن في الأرض الا مبغض) الغرض منه الحصروالتحديد .
6. أسلوب نداء : (يا صاح ) الغرض من ترخيم النداء هو التودد والمحبة .
ثالثاً : العلاقات بين الجمل :
1. ( أو من يثيب ) علاقتها بما قبلها علاقة عطف .
2. ( إني وجدت الحب ) علاقتها بما قبلها علاقة توكيد .
3. (عاشت مذممة ) علاقتها بما قبلها علاقة نتيجة لسبب .
4. (لولا شعور الناس كانوا كالدمى ) علاقتها بما قبلها علاقة توضيح .
5. ( فاسود) علاقتها بما قبلها علاقة نتيجة لسبب .
6. ( لتضحك منه ) علاقتها بما قبلها علاقة تعليل .
7. ( لتبرمت بوجوده) علاقتها بما قبلها علاقة نتيجة لسبب
رابعاً : التضاد بين الألفاظ والمعاني :
1. (حلاوة xعلقم ) ( حبتك xتبخل) ( أحبب xأبغض ) (نير xمظلم ) .
2. (الكوخ كوناxالكون سجناً)استخدم الشاعر التضاد بين المعاني ليوضح لنا قيمة الحب