قصة أغرب من الخياال
من أعجب عجائب الدنيا
ماذا تفعل عندما تكون صغيرا دون الخامسة وتسأل والدك بـ «دلع»: أين والدتى؟،
وماذا سيكون رد فعلك عندما يرد بـ «جمود»، ماتت يوم ما ولدتك،
وما الذى تقوله عندما تجد والدك وزوجته يعاملانك بقسوة،
يضربك الأب بـ «إبرة منجد» ويغرسها في جسدك، أو تتكفل الزوجة بحرق يدك بشمعة؟
كيف تواجه الحياة عندما تترك المنزل وأنت ابن التاسعة
وتواجه الشارع بـ «غضبه وقسوته وناسه التى لا ترحم؟»
ماذا تفعل عندما تجد نفسك نائما فى الشارع دون غطاء،
فى ليل شتاء قار وتستيقظ قبل طلوع الشمس لتجد «كلاب الشوارع»
تنام إلى جوارك دون أن تؤذيك؟
ماذا سيكون ردك عندما تعود وأنت فى الخامسة عشرة إلى والدك
وتكون «القسوة والحدة والغضب والتعذيب» فى انتظارك؟
وماذا ستقول لسائق نقل سمح لك بأن تركب معه يوما و«يوصلك» إلى حيث تسكن فى «صفط اللبن»
وكل دقيقة ينظر إليك وأنت أيضا فى الخامسة عشرة من عمرك ويقول: «يخلق من الشبه ٤٠»
ويكررها ١٠ مرات وعندما تدفع له الأجرة يقول لك: «عيب أنا معايا زيك وخلى فلوسك معاك» ..
وتكتشف بعد ١٧ عاماً أنه زوج والدتك وهو لا يعرفك ولم يرك من قبل؟
كيف تواجه الحياة حين يطردك والدك من جديد
ويترك هو وزوجته وأولاده المنزل ويبيعه ويتركك للشارع،
لا تعلم أين تذهب ولا كيف ستأكل أو تتصرف أو تعيش، ولا أين أعمامك أو أخوالك أو أقاربك؟
ماذا ستفعل عندما تتقدم لأداء الخدمة العسكرية وتقف مثل «الرجال»
وتحصل على الشهادة بـ«عبارة»: «قدوة حسنة»،
وتخرج لا تعرف أين وجهتك ولم تكن تغادر المكان فى «كتيبتك»
وترفض «الإجازات» لأنك لا تجد مكانا تنام فيه أو أشخاصاً تزورهم.
عفواً، لا تجب عن الأسئلة، فقط ضع نفسك فى موقف صغير تحمله السطور القادمة،
تتوجه إلى مصلحة الأحوال المدنية فى العباسية لتجدد بطاقتك الشخصية،
ويتوقف الموظف عند اسمك ويصيبه الذهول و«يفرك عينيه» وينادى على من حوله،
ثم يقول لك: «معلهش، فيه واحد فى الغربية،
اسمه نفس اسمك حتى «الاسم الخامس»، وأيضاً نفس اسم الأم!،
الأمر لم يتوقف بعد، تاريخ الميلاد واحد، ٢٥ يونيو عام ٧٧، أنت الآن فى ذهول،
تذهب إلى الغربية، وتبحث عن «منتحل» صفتك واسمك واسم أمك وتاريخ ميلادك،
ماذا ستقول له، ماذا ستفعل عندما تذهب إلى المنزل وتجد سيدة تخرج لتقابلك،
ترتعش أنت وتسألها: «ابنك» انتحل اسمى وشخصيتى، لحظات،
تدخل السيدة إلى غرفة قريبة وتحضر لك قسيمة زواج بها اسم والدك «مقرونا» باسمها،
وتقدم لك قسيمة طلاق تحمل «الاسمين» أيضاً!!،
ماذا سيكون ردك، عندما تتأكد أن هذه السيدة هى والدتك، تجدها أمامك وعمرك ٣٢ سنة
وتصرخ: «كنتى فين» وتصرخ هى: «وأنت كنت فين»،
وترد: «أبويا قال إنك توفيت» وترد هى: «بعد ولادتك بـ٤٠ يوم،
انفصلت عن والدك وكنت أنت وتوأمك معى،
أخذك والدك وترك لى شقيقك الذى يحمل اسمك وبعد أسبوع قال لى إنك مت»،
هذه قصة من «لحم ودم»، حدثت تفاصيلها وجرت على مدار ٣٢ عاما
بين أماكن فى القاهرة والجيزة والزقازيق والغربية وأكتوبر،
الحكاية كاملة على لسان إيهاب عبدالمنعم محمد يوسف بدير،
«إيهاب» سيجيب عن كل الأسئلة السابقة،
دون مضايقات أو غضب أو خجل أو تردد، سيرويها ودموعه تظهر فى «عينين زرقاوين»،
وابتسامة تظهر وتغيب، وحزن «مدفون»، وحرمان تراه يخرج مع كل كلمة يقولها،
قدرته على السرد وطرح تفاصيل صغيرة بصدق،
يجعلانك تتأكد تماما انه خريج كلية مرموقة رغم أنه لم يدخل المدرسة نهائيا.
يروى الشاب ويتوقف ويبكى ويصمت ويشعل سيجارة، ويمتنع أن «يصب» اللعنات على أب لم يرحمه يوماً.
إيهاب، شاب نحيف، عمره ٣٢ سنة، وجهه ونبرة صوته وحديثه تؤكد أنه تعلم كثيرا من «تلطيش الحياة»،
لم يدخل قسم شرطة متهما فى حياته أو يرتكب جريمة،
هادئ الطباع، يحب الناس، لا يجلس على مقاه،
يختلط فقط بمن هم فى سن «الأبوين» ليعوضوه عن «قسوة أب» و«موت أم» مثلما كان يعرف.
حقيقية ولكن أغرب الخيال
يقول:
اسمى إيهاب، من عائلة بدير فى بورسعيد، يضحك، أيوه الفنان أحمد بدير يبقى ابن عم والدى،
انظر إلى «جبهتى وانفى».. ستتأكد أنهما لـ«بدير» الفنان،
وأعتقد أن «بدير الجد» كان يحملهما،
فجأة، خرجت إلى الحياة، وجدتنى دون أم، من حولى هم والدى وزوجته وأولاده،
أسأل، أين والدتى؟ يرد بهدوء: «ماتت يوم ما ولدتك»..
أسأله: فين صورها، فين قسيمة الزواج، فين صور الفرح؟ فين شهادة الوفاة؟ فين أخوالى؟
أسئلة كثيرة أطرحها، ويأتى الرد بكلمة واحدة «مفيش»،
وتتبع تلك الكلمة علقة ساخنة وتعذيب، تتخيل، يمسك «إبرة المنجد» ويغرسها فى جسدى بقوة،
ولا تتردد زوجته ان تحرق يدى بـ«شمعة» و«يستمتعان».
عند سن التاسعة، تركت المنزل ونمت فى الشارع وركبت قطاراً وتوقف بى فى مدينة الزقازيق،
وعملت مع بائع كتب أمام جامعة الزقازيق،
كنت أبيع مع رجل طيب طول النهار وأنام بجوار «الكشك» ليلاً،
بعد عامين تركته، لا أتذكر لماذا،
عدت إلى القاهرة وعشت فى شوارعها ٣ سنوات،
كنت لا أجد «لقمة»، ولا مكان أنام فيه، والله فى مرة كنت نايم جنب قهوة والصبح لقيت كلاب نايمة جنبى،
احساس إيه، متسألنيش، رجعت البيت فى صفط اللبن وكان نفس التعامل،
سنة كمان والراجل - يقصد والده - خد مراته وخلع، وباع البيت، عدت للشارع فى المنطقة،
لكن الله يرحمه الحاج محمد الزمر،
أخذنى على بيته فى المنطقة وكتب لى عقد إيجار لغرفة فى منزله،
مرت الأيام بسرعة «مُرة وحلوة»،
ودخلت الجيش، سلمت نفسى وقضيت المدة وتعلمت هناك،
كيف يكون الرجال ويواجهون المصاعب.
مرت الأيام بسرعة
ومنذ شهر، توجهت إلى مصلحة الأحوال المدنية لأجدد بطاقتى التى تنتهى كل ٧ سنوات،
نسيت أن أقول،
إن عملت «مستخرج» لشهادة الميلاد واستخرجت بطاقة وأنا فى السادسة عشرة ولم أدخل مدارس،
فى مصلحة الأحوال المدنية، وجدت الموظف يندهش، وأخبرنى بتفاصيل الواقعة،
كنت سأموت من الدهشة،
من الذى انتحل كل هذه الصفات وحصل على هذه المعلومات،
نسيت أن أقول : عندما كنت فى الخامسة عشرة من عمرى،
كنت فى منطقة الزاوية الحمراء بالقاهرة،
واستوقفت سيارة نقل لتوصيلى إلى صفط اللبن،
وضحكت وقلت له اسمها برك الخيام، ودى جنب صفط اللبن،
والسائق كان يبص لى كل شوية، ويقول: «يخلق من الشبه أربعين»..
قالها ولا عشر مرات وعندما نزلت رفض ياخد منى ٢٥ قرش كانوا معايا وقالى: «أنا معايا زيك».
المهم، بعد موضوع الأحوال المدنية،
رحت الغربية أشوف مين اللى انتحل اسمى، ودخلت البيت بعد يوم كامل من «اللف»،
أنا كنت باسأل على اسم «الست» الموجودة فى بياناتى وبيانات الشخص ده،
شوية، فجأة، لقيت واحد بيقولى أنا أخوك من أمك،
وعرفت بعد شوية أن من يحمل بياناتى تعرض لنفس الموقف وهو يستخرج بطاقته،
وأنهم بحثوا عنى دون فائدة،
المهم ظهرت والدة الشاب ده، وقلبى «اتخطف»، كنت تايه، سبت نفسى خالص،
لقيت الست طلعت قسيمة زواج وطلاق وهى بتقول، أنا أمك،
ولحظة خرج وراها راجل كبير فى السن،
قلت له أنا عارفك، انت السواق اللى قابلتنى من ١٧ سنة فى الزاوية،
وقلت لى: «يخلق من الشبه أربعين» ورفضت تاخد ربع جنيه،
الراجل قعد يعيط وجرى على وخدنى فى حضنه، المهم الست -
اللى هى طلعت أمى - قالت انت ابنى والورق أهه،
بس أبوك قالى إنك مت، سنة ٧٧، خلفت توأم، وحصلت مشكلة وانفصلنا،
وأبوك خدك وساب لى أخوك وبعد شهر قالى إنك مت، رديت عليها، وأنا ارتعش،
وأبويا قالى إنك توفيتى أيضا،
أنا قلبى بيقولى إنك أمى، بس عقلى بيقول لا،
كل اللى فى البيت «عيطوا» وأمى خدتنى فى حضنها،
كنت بأبكى زى العيال، وأنا أسألها، ليه سبتينى كل ده، كنتِ فين،
أنا كنت بموت ميت مرة فى اليوم، سألت عن صورك وشهادة وفاتك، وقبرك،
وقالى مفيش، الموقف كان صعب، مكنتش عارف أقول غيره،
أخويا التوأم حضر من العريش هو شغال هناك،
كل واحد مننا حكى قصته للتانى،
واللواء مصطفى راضى كلمنى وقال
إن الوزارة هتطلع لنا كل واحد بطاقة بس بـ«رقم قومى» مختلف،
حاسس إنى فى حلم، لأ، ده مش حلم، ده مبيحصلش فى الأفلام،
ياه نفسى فى بيت وعروسة ووظيفة اكل منها عيش..
أنا دلوقتى عايش فى «غرفة» بصفط اللبن، وشغال فى الدوكو، يوم شغل ويوم نايم، ،
تعرف من ١٣ سنة مشفتش أبويا، وعمرى ما فكرت أدور عليه ولا أكلمه،
لكن بعدما قابلت أمى بعد ٣٢ سنة وأخويا التوأم وشمل الأسرة اتلم،
نفسى أشوف والدى وأصرخ فى وجهه وأسأله ليه؟؟
حقيقية ولكن أغرب الخيال
.. تنتهي القصة هنا ..
.. وكم في الحياة من قصص ..