بعض مظاهر التقصير في حق الجار مع محاولة العلاج؛ فلعل في ذلك إيقاظًا، وتذكيرًا؛ فإلى تلك المظاهر، والله المستعان وعليه التكلان.
1. مضايقة الجار بإيقاف السيارات أمام بابه أو ترك المياه تتسرب أمام منزله أو الروائح المنتنة المنبعثة من مياه المجاري وغيرها.
2. حسده والحسد خلق لئيم.
3. احتقاره والسخرية منه لفقره، أو لجهله، أو وضاعته قوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ] (الحجرات: 11).
4. كشف أسراره : قال الإمام ابن عبد البر: روى يحيى ابن زكريا بن يحيى الباجي قال: حدثني محمد بن الفضل المكي، قال: حدثني أبي عن إبراهيم عن عبد الله قال: مرّ مالك بن أنس بقينة تغني شعر مسلم:
أنتِ أختي وأنت حرمة جاري*** وحقيقٌ عليَّ حفظُ الجوار
إن للجار إن تغيَّب غيباً *** حافظاً للمغيب والأسرار
ما أبالي أكان للجار ستر *** مسبل أم بَقِيْ بغير ستار
فقال مالك: علموا أهليكم هذا ونحوه.
5. تتبع عثراته والفرح بزلاته.
6. تنفير الناس منه.
7. التعدي على حقوقه وممتلكاته: كإرسال الغنم في مزرعته الجار والتعدِّي على حدوده، ومراسيمه، إما بإزالة، أو تغيير قال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من غيَّر منار الأرض".
8. التهاون بتعليم الأولاد حق الجار: فكثير من الناس لا يربي أولاده على رعاية حق الجار، واحترامه، وترك أذيته وربما رآهم يسيؤون للجار دون أن يحرك ساكنًا.
يروى أن عبد الملك بن مروان قال لمؤدب ولده: إذا روَّيتَهم شعرًا فلا تروِّهم إلا مثل قول العجير السلولي:
يَبِيْنُ الجارُ حين يبين عني *** ولم تأنَسْ إليَّ كلابُ جاري
وتظعن جارتي من جنب بيتي *** ولم تُسْتَرْ بستر من جدار
وتأمن أن أطالع حين آتي*** عليها وهي واضعة الخِمار
كذلك هديُ آبائي قديما *** ًتوارثه النِّجارُ عن النجار.
9. إيذاء الجيران بالجَلَبةِ: إما برفع الأصوات بالغناء والملاهي، أو برفع الصوت بالشجار بين أهل البيت، أو بلعب الأولاد بالكرة ، خصوصاً في الليل، أو في أوقات الراحة؛ فلربما كان أحد الجيران مريضًا، أو كبيرًا أو لديه طفل يريد إسكاته وتهدئته، فلا يستطيع ذلك بسبب الإزعاج.
10. تأجير من لا يرغب الجيران في إسكانه.
قال ابن رجب: "ومذهب أحمد ومالك أن يمنع الجار أن يتصرف في خاص ملكه بما يضر بجاره، فيجب عندهما كفُّ الأذى عن الجار بمنع إحداث الانتفاع المُضِرِّ به، ولو كان المنتفع إنما ينتفع بخاص ملكه".
على أنه لا يحسن بالجيران أن يتشددوا فيما لا يحصل فيه أذى، أو فيما يكون قليلاً من الأذى؛ فذلك من حق جارهم عليهم.
11. خيانة الجار والغدر به: ومن صور ذلك الإغراء بالجار، والتجسس عليه، والوشاية به عند أعدائه.
قال هُدْبَةُ بن الخَشْرَم:
وإني لا يخاف الغدرَ جاري *** ولا يخشى غوائلي الغريبُ
قال مسكين الدارمي:
ما ضر جارًا لي أجاوره *** ألا يكون لبيته ستر
أعمى إذا ما جارتي برزت *** حتى يواري جارتي الخِدُر
وقال عنترة:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي *** حتى يواري جارتي مأواها.
12. قلة النهوض لحماية الجار من بلاء ينال به
فمن الناس من لا يدافع عن جاره إن ظُلم، ولا يذب عن عرضه إن نيل بمكروه، ولا يكف البغي عنه إن سامه أحدٌ خُطَّةَ ضَيْمٍ.
ولقد مر بنا أن حماية الجار من مفاخر العرب، قال السموأل:
وما ضرنا أنَّا قليلٌ وجارُنا *** عزيزٌ وجارُ الأكثرين ذليلُ
لنا جَبَلٌ يحتلُّه من نُجيره *** منيعٌ يَردُّ الطرفَ وهو كليل
كما أن العرب تهجو من لا يمنع جاره، ولا يدفع عنه، وتعد ذلك سُبَّةً وعارًا، قال بشر ابن أبي خازم:
فمن يك من جار ابن ضبَّاء ساخرًا *** فقد كان في جار ابن ضبَّاء مَسْخَرُ
أجار فلم يمنعْ من الضيم جَارَهُ *** ولا هو إذ خاف الضياع مُسَيَّرُ
13. قلة الإحسان إلى الجار: فإن الكرام يحسنون إلى جيرانهم غاية الإحسان.
قال عمر بن الخطاب : من حق الجار أن تبسط له معروفك، وتكف عنه أذاك..
قال الأصمعي: ومن أحسن ما قيل في حسن الجوار:
جاورت شيبان فَاحْلولى جوارهم *** إن الكرام خيار الناس للجار
قال ابن حجر: "ثم الأمر بإكرام الجار يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال؛ فقد يكون فرض عين، وقد يكون فرض كفاية، وقد يكون مستحبًا، ويجمع الجميع أنه من مكارم الأخلاق".
14. قلة الحرص على التعرف على الجيران: فمن الناس من لا يعرف جاره الملاصِقَ إما تجاهلاً، أو تهاونًا، أو اشتغالاً بالدنيا، أو نحو ذلك.
ويكثر هذا في المدن الكبرى، ولا ريب أن هذا الصنيع تفريط وتقصير؛ فمن حق الجار أن تتعرف عليه، وأن تتحبب إليه، وتتودد له.
15. قلة المشاركة العاطفية للجيران: فالجار الصالح من يُعنى بشؤون جيرانه، فيشاطرهم أفراحهم، وأتراحهم،
ولقد كان العرب يضربون المثل في حسن الجوار بجار أبي دؤاد، وهو كعب بن مامة، فيقولون في مثلهم السائر: جار كجار أبي دؤاد.
فإن كعباً كان إذا جاوره رجل فمات وداه وإن هلك له باطردوني من المنتدى أو شاة أخلف عليه، فجاءه أبو دؤاد الشاعر مجاورًا له، فكان كعب يفعل به ذلك، فضربت العرب به المثل في حسن الجوار، فقالوا: جار كجار أبي دؤاد.
16. قلة التفقد لأحوال الجيران: فمن الجيران من هو محتاج، ومنهم من قد ركِبَتْهُ الديون، ومنهم المرضى، ومنهم المطلقات والأرامل.
وكثير من الناس ممن أعطاهم الله بسطة في المال أو الجاه لا يتفقد جيرانه، ولا يسأل عن أحوالهم..
فحقٌ على الإنسان أن يتفقد جيرانه، وأن يسعى في إيصال النفع إليهم.
17. الغفلة عن تعاهد الجيران بالطعام: لقد جاءت الوصية بتعاهد الجيران بالطعام، فعن أبي ذر قال: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه، ثم أنظر إلى أهل بيت جيرانك فأصِبْهم منها بمعروف.
18. قلة التهادي بين الجيران: جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي ؟ قال: إلى أقربهما منك بابًا.
قال ابن حجر: وقوله: أقربهما أي أشدهما قربًا.
19. التكبر عن قبول هدية الجار:
قال صلى الله عليه وسلم: يا نساء المؤمنات، لا تَحْقِرنَّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسِن شاة.
الفِرْسِن بكسر الفاء، وسكون الراء، وكسر السين ثم نون: هو العظم قليل اللحم، وهو خف الباطردوني من المنتدى أيضًا، وقد يستعار للشاة وهو الظلف.
والمقصود بالفرسن في الحديث: حافر الشاة.
ومعنى الحديث: لا تحقرن جارة أن تهدي إلى جارتها شيئًا ولو أن تهدي لها ما لا يُنتفع به في الغالب، وإنما حذف المفعول؛ اكتفاء بشهرة الحديث، ولأن المخاطبين يعرفون وقال النبي ": اتقوا النار ولو بشق تمرة.
20. منع الجار ما يحتاج إليه عادةً: من نحو النار، والملح، والماء.
ومن ذلك رفض إعارته ما اعتاد الناس استعارته من أمتعة البيت كالقِدْر، والدَّلْو، والفأس، والصحفة، والسكين، والقَدوم، والغربال، والفرش، ونحو ذلك.
ففي الصحيحين، وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره.
21. قلة الاهتمام بإعادة المعار من الجيران إليهم ولقد جاء في سبب قطع يد المرأة المخزومية التي أهَمَّ قريشاً أمْرُها أنها كانت تستاطردوني من المنتدى المتاع وتجحده.
22. قلة المبالاة بدعوة الجار إلى الولائم والمناسبات: إما نسيانًا، أو تهاونًا، أو نحو ذلك، وهذا الأمر لا يَحْسُن؛ فهو مما يوغر الصدر، ويورث لدى الجار الشكوك في جاره؛ فقد يظن أنه محتقر له، غير مبالٍ به، فحري بالجار أن يحرص على دعوة جيرانه خاصة وأن الجار يرى المدعوين يتوافدون إلى بيت جاره.
23. ترك الإجابة لدعوة الجار: فمن الناس من يدعوه جاره، ويستضيفه مرارًا، ولكنه لا يجيب الدعوة، بل يكثر من الاعتذارات، ويحتج بكثرة المشاغل والارتباطات.
وقد يكون صادقاً فيما يقول، ولكن ذلك لا يعفيه من إجابة الجار في بعض الأحيان، وإلا فلا أقل من التلطف في الاعتذار؛ حتى يقبل الجار.
24. قلة التناصح بين الجيران: فعن أبي رقية تميم الداري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة ثلاثًا قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.
25. التكبر عن قبول النصيحة، والزراية بالناصح.
26. قلة التعاون على البر والتقوى: والله عز وجل يقول: [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ] (المائدة: 2).
27. كثرة الخصومة بين الجيران
قال طرفة بن العبد يمدح قومه:
فُضُلٌ أحلامُهم عن جارهم *** رحُبُ الأذرع بالخير أُمُرْ
28. التهاجر والتقاطع عند أدنى سبب:
قال صلى الله عليه وسلم: لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث. ولئن كان هذا الأمر مرفوضاً وقوعه بين عامة المسلمين فوقوعه بين الجيران أشد وأكبر.
29. عدم الحرص على إصلاح ذات بين الجيران:
قال تعالى: [لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً] (النساء: 114).
30. عدم الاستجابة لداعي الصلح: فقد تبذل الأسباب، ويُسعى في الصلح بين الجيران، ولكن قد يوجد من يتعنت، ويركب رأسه، ويرفض الصلح.
31. ترك الإحسان للجار الغريب: فبعض الناس يَقْصُرُ إحسانه على الجار ذي الرحم، أو الجار البلدي الذي هو من أهل بلده أصلاً.
قال ابن عبد البر: تذاكر أهل البصرة من ذوي الآداب والأحساب في أحسن ما قاله المولَّدون في حسن الجوار من غير تعسف ولا تعجرف، فأجمعوا على بيتي أبي الهندي، وهما:
نزلت على آل المهلب شاتياً *** غريباً عن الأوطان في بلد مَحْلِ
فما زال بي إكرامُهم وافتقادهم *** وبرُّهمُ حتى حَسِبْتُهُمُ أهلي
32. عدم العناية باختيار الجار الصالح: قال الشاعر:
يقولون قبل الدار جارٌ موافقُ *** وقبل الطريقِ النهجِ أُنْسُ رفيقِ
وقال آخر:
اطلب لنفسك جيراناً تجاورهم *** لا تصلح الدارُ حتى يصلحَ الجارُ
33. التفريط بالجار الصالح: فتراه لا يحافظ عليه، ولا يقدر قدره، ولا يظهر له المودة والمحبة، بل ربما أساء إليه بقوله أو فعله باع أبو الجهم العدوي داره بمائة ألف درهم، ثم قال: بكم تشترون جوارَ سعيد بن العاص؟ قالوا: وهل يشترى جوارٌ قط ؟
قال: ردوا عليَّ داري، وخذوا مالكم؛ لا أدع جوار رجل إن قعدت سأل عني، وإن رآني رحَّب بي، وإن غبت حفظني، وإن شهدت قربني، وإن سألته قضى حاجتي، وإن لم أسأله بدأني، وإن نابتني نائبة فرَّج عني.
فبلغ ذلك سعيدًا، فبعث إليه بمائة ألف درهم.
34. الاستعجال بالرحيل عن الجيران:
جاء رجل إلى أبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب يشاوره في الانتقال من محلة إلى أخرى؛ لتأذي الجوار.
فقال: إن العرب تقول: صبرك على أذى من تعرفه خير لك من استحداث من لا تعرفه.
35. عدم المراعاة لأقدار الجيران وإنزالهم منازلهم: فالأصل في معاملة الجار أي جار أن يُرعى حقُّه.
36. عدم احتمال الجارِ والصبرِ على أذاه:
قال تعالى: [خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ] (الأعراف:199).
37. الإقامة بدار الهوان: قد يبتلى الإنسان بجار سوءٍ يَعَزُّ علاجه، ويتعذر استصلاحه.
ولا ريب أن جار السوء من البلاء، ومما يُتعوذ منه.
ولا ريب أن الصبر على أذى الجار محمود مُرغَّبٌ فيه إذا لم يترتب عليه هوان أو مذلة، ولم يحصل بسببه ضرر على الإنسان في دينه وعرضه، أو كان الجار ممن يمكن علاجه أو استصلاحه.
العرب تقول: بعت جاري ولم أبع داري.
38. عدم الوفاء للجار بعد الرحيل: فمن الناس من ينسى جيرانه بعد أن يرحل عنهم، أو بعد أن يرحلوا عنه..
قال النابغة الذبياني:
لا يَبْعَدِ الله جيراناً تَرَكْتُهُمُ *** مثلَ المصابيح تجلو ليلة الظلم
لا يَبْرَمون إذا ما الأفق جلَّلَه *** بردُ الشتاء من الإمحال كالأَدَمِ.
منقول مما راق لي