إن الله لم يخلق الإنسان لكى يعبده ويمجده. فليس الله محتاجاً لتمجيد من الإنسان وعبادة. وقبل خلق الإنسان كانت الملائكة تمجد الله وتعبده. على أن الله لم يكن محتاجاً أيضاً لتمجيد من الملائكة، هذا الذي تمجده صفاته.
الله لا ينقصه شئ يمكن أن يناله من مخلوق، إنساناً كان أو ملاكاً.
و ما أصدق تلك الصلاة التي يصليها الإنسان في القداس الغريغورى قائلا للرب الإله "لم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديتى. بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك".. إذن لماذا خلق الله الإنسان؟
بسبب جود الله وكرمه، خلق الإنسان ليجعله يتمتع بالوجود.
قبل الخليقة كان الله وحده. كان الله منذ الأزل هو الكائن الوحيد الموجود. وكان مكتفياً بذاته وكان ممكناً ألا يوجد الإنسان، ولا مخلوق آخر. ولكن الله من كرمه وصلاحه، أنعم بنعمة الوجود على هذا العدم الذي أسماء إنساناً. خلقه لكى يتمتع بالوجود.
إذن من أجل الإنسان تم هذا الخلق. وليس لأجل الله.
خلقه لكى ينعم بالحياة. وإن أحسن السلوك فيها، ينعم بالأبدية.
ونفس الكلام يمكن أن نقوله على الملائكة أيضاً.. إنه كرم من الله، أن أشركنا في هذا الوجود، الذي كان ممكناً أن يبقى فيه وحده ومحال أن يكون سبب الخلق، هو رغبة الله في أن يتمجد من الإنسان أو من غير الإنسان.
ونحن حينما نمجد الله، إنما ننتفع نحن وليس الله.
و ذلك أننا حينما نذكر إسم الله ونمجده، إنما نرفع قلوبنا إلى مستوى روحى، يعطى قلوبنا سمواً وطهارة وقراباً من الذات الإلهية. وبهذا ننتفع. فنحن محتاجون باستمرار إلى التأمل في الله وتمجيده، إذ بهذا أيضاً تشعر نفوسنا أنها على صلة بهذا الإله العظيم الذي له كل هذا المجد، فنتعزى.. ولهذا نقول "أنا المحتاج إلى ربوبيتك"..
أما الله، فمن الناحية اللاهوتية، لا نريد ولا ينقص.
لا يزيد شيئاً بتمجيدنا. ولا ينقص بعدم تمجيدنا..
ألعلنى أستطيع ايضاً أن أقول إن الله خلقنا بسبب محبته لنا، هذا الذي مسرته في بنى البشر؟
الله الذي أحبنا قبل أن نوجد. ولأجل هذا أوجدنا.
و ما معنى عبارة " أحبنا من أن نوجد"؟
إن هذا يذكرنى بكلمة كتبتها (يقول البابا شنوده) في مذكرتى في عام 1957 على ما أذكر، قلت فيها: "لى علاقة يا رب معك، بدأت منذ الأزل، وستستمر إلى الأبد. نعم أتجرأ وأقول: منذ الأزل.
منذ الأزل، حينما كنت في عقلك فكرة، وفى قلبك مسرة