انتظرت عند باب العيادة طويلا ، فلما طال انتظاري وتعبت من الوقوف فتحت الباب ، فرأيت الطبيب والممرضة في وضع غير لائق ، فتجاهلت المشهد وكأني لم أر ولم أسمع ، وجلست على الكرسي ، فأخذ الطبيب يتمتم : أنا كنت .. أنا كنت .. فقاطعته قائلا : لا عليك يا دكتور .. هذا ليس غريبا ، فقد كان الشيطان ثالثكما ، فما أن سمع الطبيب هذه العبارة حتى انحلت عقدة لسانه ، فهاج وماج ، وأزبد وأرعد ، وهدد وتوعد ، وقال : لن أسكت على هذه الإهانة ، ورفع سماعة الهاتف لطلب حراس الأمن ، فأغلقت الجهاز قبل أن يتكلم ، وقلت له : هون عليك يا دكتور ، أنا كنت أشير إلى قول الرسول صلى الله عليه وسلم :" ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطانُ ثالثَـهما " وقد كان عليك ألا تترك الشيطان يحل مكان الإنسان ، حتى تتجنب الوقوع في فتنة الخلوة ، فبهت الرجل ، وهدأ قليلا ، وتقبل كلامي على مضض ، وأطلق ابتسامة صفراء ، وقال : ماذا بك أيها الإنسان الذي طرد الشيطان وحل محله !؟
فقلت عندي احولال في كلتا عينَيَّ ، أرى الرجال والنساء بسببه في حالة عناق مستمر ، فقال : هذه إهانة أخرى .. أتهزأ بي أيها الأحول ؟ فقلت العفو يا دكتور : فأنا أحاول ـ فقط ـ أن أخدع نظري ، لكي أقنع نفسي بأن ما رأيته ليس صحيحا ، وأن العيب يكمن في بصري ، وأن الطبيب ليس من أصحاب القلوب المريضة الذين يخونون الأمانة ، ويُخِلون بشرف المهنة ، ويَخدعون زوجاتهم مع الممرضات والمريضات ، وأن الممرضات ملائكة الرحمة ـ كما يُقال ـ ولسن مجرد عاشقات .. يتبادلن مع الأطباء والزملاء العناق والقبلات .. !!
فعاد الطبيب للتمتمة مرة أخرى ، وأخذ يردد : أنا لن .. أنا لن .. فقاطعته ، وقلت : أنا لن أتعالج عندك يا دكتور ، فمَن خان دينه وضميره ، وأخل بالأمانة الملقاة على عاتقه ، لا يُؤمَن جانبه ، ثم نهضت من عنده مغاضبا ، فأضعت باب الخروج ، فقال : الباب من هنا يا أحول !!